Yosra aklouk(zebda)
@YosraAklouk
مراسلة الجزيرة نت _غزة
لو كان لجوع المعدة صوتٌ مسموع .. لسمعَ العالمُ نحيبًا جماعيًا، وأنينًا يملأ غزة جُلّها! إلا السارق فيها، والتاجر الفاجر، ومن جعلوا من مصيبة جوعنا صفقةً للبيع والشراء!
أتعجّبُ من ولدي "5 سنوات" من حديثه المستمر عن الجنة التي لن يُحرم فيها طعاماً، ثم يُحدثني عن معايير دخولها، وأول ما ذكر منها هو احتماله لفقد أبيه! هذه مقتطفات من حوار طويل دار بيننا.. انتهى بقفزه طرباً ودعائه "يارب ودينا ع الجنة"!
يا سادة… حين نسقط أرضًا، فإن ما يهوي بنا قبل الجوع… هو "انكسار النفس"! نحن أعزّة القوم، أبناء الوفرة، من يكرم الوفادة، ويمدّ الموائد للضيف مدّا! نحن أصحاب اليد العليا، وأهل مقولة: "يزيد ولا يخِس"! نحن من فاضت أطباقهم بما لذّ وطاب، وازدحمت أرففهم بالرفاه، وتخمت ثلاجاتهم…
لا ألوم اليوم الآلاف من الغزيين الذين يتدفقون نحو شاحنات المساعدات! فأي حياة يخشون على فقدانها، إن كان الجوع وحده كفيلًا بوأدها؟ ولو كنتُ رجلًا، لفكّرت جديًا في الاندفاع نحوها، على أن أقف عاجزًا أمام بكاء أطفالي وطلبهم للطعام… وأنا لا أملكه! لعن الله الجوع… يُخرج الآدمي عن…
أقرأ قائمةً بأسماء الشهداء كالتالي : أنس عمر عقل، إبراهيم عمر، أمل عمر، علا عمر، تسنيم عمر، سجود عمر… ينحبس هواء الغرفة في رئتي، أرتجف كأن الفقد يخصني، فكّرت في والدهم، خفت أن يكون حيًّا بين كل هذا الموت، يذوق وحده طعم رحيلهم، قطعةً قطعة، اسمًا اسمًا! حتى وصلتُ إلى اسمه "عمر…
منذ أيام، يمتدّ فقد الشهية عندي للكتابة! فلم يعد مُغرياً أن نُطوّع وجعنا نصّا تقرأوه، ثم تنصرفوا إلى حياتكم الطبيعية المنغمسة بالعجز المبرر بالدعاء! لكن بعد هذا اليوم العظيم، المزدحم بـ”الأحداث الأمنية”، لا بدّ أن يُكتب شيء! يقولون: “ما حكّ جلدك مثل ظفرك”، وقد أدرك أبناء غزة…
بينما ينهمكُ الجيش في تحضير وجبةِ نسفٍ جديدة لابتلاع ما تبقّى من بنيانٍ شرق المدينة، مُمعنًا في انتقامه من الحجارة التي ظلّت واقفةً هناك، ويحيك مكره السيء الذي لا يحيقُ إلا بأهله! قام الأشاوس بتفجيره.. فانقلب تدبيرهم في تدميرهم.. غير أن هذا جزءا من الحدث وليس كله! بَيْدَ أن…
رأيت فجراً أن أهل غزة كانوا على الشاطئ جُلّهم.. وكأننا نتحضّرُ لحدث ضخم قرر الله أن نكون شهوداً عليه.. كانت "إسرائيل" ماثلة أمامنا كقطعة من يابس تطفو على البحر، رأيت زلزالاً ضربها من كل رُكن، شهدنا على انهيار مبانيها واحدا تلو الآخر .. كنا نحن نكبّر وأصوات من السماء تكبر…
لا طاقة لنا بوجع أو فقد أو جوع إضافي! منذ مئات الأيام ونحن ندفع ضريبة وجودنا على أرض غزة، ولم يقدر شيءٌ على إزاحتنا عنها، وكان لصبرنا فيها الفضل في إفشال كل ما أُحيك ضدها.. لكننا ندفع الضريبة من عافيتنا وعافية أبنائنا، نفقد يومياً خيرة ما أنجبت الأرض، نعيش حياة لا تهون على…
أراده الجيش تفكيكاً.. لكن شاباً ب"زنوبة" أراده تفتيتاً! بيد أن المقاتل يبدو خريجاً في بطولات كرة السلّة، فالكرة عبوة والملعب ظهر دبابة والسلة طاسات رؤوس الجبناء ! وبينما نسمع عن قتال من مسافة صفر على الأرض، نرى اليوم موتاً قُذف في أحضانهم، وحمما نزلت فوق رؤوسهم من السماء..…
أنهت إسرائيل مواجهتها مع إيران، ثم تعالت أصوات قادتها: "نعود الآن إلى غزة بقوّة .. لنفكك ما تبقى من قدراتها"! لكن أبناء غزة أصدروا بيانهم وكتبوه بدم سبعة جنود إسرائيليين في خانيونس! ردٌ عمليٌ واضح، فهل تستطيع قنابلهم تفكيك الإيمان في قلوبٍ مليئة بالله لا تعرف الخوف؟ هذه هي…
الحمد لله الذي زكّى اسم غزة عن حسابات الدول العظمى، فلم تكن حاضرة في أجنداتهم ولا في صفقاتهم فكانت خارج الاتفاق والنص والتداول! الحمد لله أنني لم أُكلّف نفسي يوماً بشعور أمل ورجاء من عاصمة أو دولة! الحمد لله الذي يحمينا من مَنّ الدول، فحرب لم تندلع لأجلنا لن تستمر لأجلنا! هذا…
يتعامل أحدهم وكأنه لا أحد مبتلى سواه! يريد من الجميع أن يتحملوه، أن يصبروا على نوبات ضيقه، كأن البلاء لم يمر إلا عليه! يا سيدي.. كلنا نغرق في بلاءات خفية، لكن أحدنا يصرخ ويتذمر، وآخر يصمت ويكتم، وكلٌ منا على جبهته معركته. الله العدل، يبتلي كل قلب بما يُطيق، لا يُكلّف نفسًا إلا…
قالوا قديماً " الكفّ لا تواجه المخرز" .. صح؟ لكن .. هنا في غزة الكف لا تواجهه.. بل تطارده! في غزة.. المحاصر المذبوح يربك الشبح! في غزة.. الجائع النحيل ينقضّ على الغول! لا أحد يعيد تعريف "البطولة" إلا هؤلاء، لا أحد -على الإطلاق- يعلمنا معنى "اليقين" في زمن تبدلت فيه المفاهيم..…
أشعر بالانطفاء! لا شيء هنا يجعلنا نتمنى العيش يوماً إضافياً..لا شيء! سئمنا التظاهر بأننا بخير، ونحن يومياً نفقد أنفسنا وأجزاءً من ذواتنا! حتى تفاعلنا مع ما يحدث حولنا لم يكن بالقدر الذي كنّا نتوقعه، حتى معارك الوجود المنضرمة في العالم لا تهمّنا بقدر ما يهمّنا تأمين رغيف الخبز…
أصعب ما في الجوع أن يعيشه طفل، لا يفهم لمَ عليه أن يحتمل الجوع، ولا يدرك ما المغزى من ذلك، ولا يستوعب أن عليه دفع ضريبة وجوده في هذه البقعة الجغرافية، ولا يعي أن يسكت جيرانه العرب على ذلك، لا يفهم معنى لعبة التجار وانعدام السيولة وخواء السوق والابتزاز باللقمة! منذ استشراس…