يافا

أفكر دائما بأبطالنا المجهولين الذين يذهبون بدون وداع الأمهات وبدون جنازات مهيبة تليق بصنيعهم.يمشون وحدهم يضيئون لنا الطريق يزرعون روحهم في أرض فلسطين هناك مع الحنون والزنبق ..

لا أحد يقاسمنا هذا الحزن . نحن وحدنا في حزننا وموتنا وجوعنا ومآسينا. لو أن أحدا تقاسم حزننا لما كنا هنا وحدنا.

يارب انقطع الأمل والرجاء إلا منك خلصنا وأغثنا.

حكمتك يا الله. ألهمنا الثبات والصبر على ما لم نُحط به خبرًا.

ايش بده العالم كمان؟ ايش ضل ياخد؟ يمحينا عن الوجود وهيك بتخلص؟

كل ما يقرب الأمل برجع ببعد أكثر وأكثر وبضلش غير الموت قريب.

والله لا يدخل جوفي أي أكل إلاّ وأنا أشعر بالخجل من نفسي، لأني أعلم أن أغلب الناس هنا لا يجدون شيئاً. عند مدخل المستشفى رأيت اليوم سيدة عجوز طاعنة في السن تبكي بحرقة بجانب ابنها المصاب فسألتها عن السبب فجاوبني المصاب أنها تبكي من شدة الجوع. أصبح الجوع سبباً شائعاً يبكي من أجله…

من بداية الحرب وفي كل مرة تضيق الدنيا علينا أحدث نفسي بأن لن تضيق أكثر من ذلك وتضيق بطرق لا عقل يستوعبها ،ضاقت يا الله لا ناصر ولا مولى لنا إلا إياك ألطف بنا وأغثنا.

عنجد يا الله مش قادرة أتخطى ولا أستوعب في كل مرة بشوف حد فينا كاتب "جوعان" بحسها بتفتف قلبي كثير هيك والله كثير.الله يلعن العالم مليون مرة ينحرق وما يطفي يارب.

كنت صغيرة لما كانوا أطفال العراق بموتوا جوع مكنتش عارفة انه رح أعيش الإبادة والتجويع مش لحالي مع أولادي والي بجوعنا العالم كله مش بس أمريكا.

قيادة مغيبة ترى شعبها يموت جوعا ولا تحاول حتى تغيير خطابها كأقل القليل وطمأنت الناس.

يبكي زين(٣سنوات) من الجوع أصبره بأن الفطور رح يجهز يسكت قليلا وبيرجع يبكي حاولت أفهمه بأن الطحين المتبقي لدينا رح يخلص بعد يومين ،رجع يعيط بحزن بدون صوت ويمسح دموعه.لماذا علي اقناعه بأن يصبر على الجوع وهو من الأصل مش لازم يجوع ولا يكون عنده الخوف انه يجوع!!!

يا جماعة انا مقهورة. الخطاب عرّاكم أمام أنفسكم بس موت الأطفال جوع عادي؟ الله يلعنكم ويلعن العالم معكم.

كتبتوا ودعيتوا وخلصنا وبعدين؟ ايش رح نستفيد رح يخلص الجوع؟ لا بخلصش هيك والمجاعة بتخلصش بالحكي عشان الحكي كله عالفاضي متنا بكل أشكال الموت وحكينا بس ولا اشي صار وولا اشي تغير غير انه الموت بيزيد.

كلام في كلام، لا يسد جوعاً ولا يخفف ألماً. لا إحساس، ولا حتى محاولة خجولة للتخفيف عن من يُتركون كل ليلة جائعين وحدهم. لم نسمع عن مسؤول أو مفاوض أعلن يومًا واحدا من الإضراب عن الطعام تضامنًا مع الجوعى في غزة. كأنهم لا يُرَون. كأنّ الجوع لا وجود له إلا في نشرات الأخبار، والبيانات،…

سمعت في الشارع حديث بين شبان يبدو أن من بينهم من كان في الشمال والآخرين في الجنوب،تمنى أحدهم وقال:"عارف ياريت ضل كل واحد مكانه ومفتحوش الطريق هيك أحسن ورزقة أكتر النا والكم". لا يحتاج الأمر تفسير وشرح لقد مات الناس جوعا وقهرا.

عشت المجاعة الأولى وكانت صعبة للغاية مع وجود الأطفال وقلت لنفسي لن يسمح العالم بأن تأتي مجاعة أخرى ولكن ها نحن نعيش المجاعة مرة ثانية أطفالي وأنا وكل مدينتي جوعى أقول جوعى وقلبي يكاد يتفجر كيف غزة تجوع؟ كيف ونحن أعز الناس وأكرمهم .أغثنا وألطف بنا يا الله.

غضب قهر حزن أسى لا ينتهي.

من أشد عذابات الأرض إيلامًا للنفس أن تكون أبًا أو أمًا في وسط الإبادة. أن يطلب أطفالك أقل حقوقهم في الحياة: الطعام! وأن تشرح لهم أنه ينبغي أن يكتفيَ بهذا القدر وهذه أحسن الأحوال، أو أن تقنعه بأن النوم وسيلةٌ ناجحة لإسكات الجوع!

مش محتاجة القصة كل هالشرح والأرقام مفش أوضح من كل هالدم الي احنا فيه.عالم بتستحيش.

من يرنو فنائي يبحث عن سراب.